من خصائص عبادته صلى الله عليه وسلم: أنها كانت تناسب جميع الأحوال، وهذا ما يفوتنا نحن: أهل الدعوة الإسلامية في هذا الزمن.
فتجد منا من يكون مهندساً، وبإمكانه نشر الدعوة عبر الهندسة، وعبر تخصصه، ولكنه لا يفعل ذلك، بل يصر على أن يكون مفتياً.
وهكذا الطبيب، وأصحاب التخصصات العلمية، التي تحتاجها الأمة، أو آخر نفع الله به في ميدان العلم، والتربية فيدعه، ويتركه، ويذهب للجهاد، والجهاد قد يكون مكتفياً من الرجال.
والأولى بهذا: أن يجلس حيث نفع الله به.
وهذا فعله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، فقد جاء إلى كل واحد منهم، وعرف قدراته، وطاقاته، ووضعه في المكان المناسب، فـأبو بكر للخلافة، وخالد للجهاد، وأبي للقرآن، وحسان للشعر، وبلال للأذان، وهكذا..
وعبادته صلى الله عليه وسلم كانت تركز على الكيف لا الكم، فهي تطبيق عملي لقوله تعالى: ((لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا))، ولم يقل أكثر عملاً. فمثلاً: رجل صلى ركعتين بخشوع، وخضوع، وخشية لله، أفضل عند الله من رجل صلى عشر ركعات، ونقرها كنقر الغراب، لم يذكر الله فيها إلا قليلاً.
قالابن القيم : كان صلى الله عليه وسلم يصلي في اليوم والليلة أربعين ركعة، لكنها تعادل ألف ركعة من غيره، خاصة من أهل التصوف، الذين يفتخرون بعدد الركعات، لا بكيفيتها، ويُذكر عنهم في هذا الباب أمور تُضحك العاقل.
فقد كان بعضهم يصلي مئات الركعات في الليل، لكنه يتعب، وينام عن صلاة الفجر!! ثم يفرح بذلك من يكتب عنه، ويقول بكل فخر (كان يصلي مائتي ركعة يومياً).
فالمسألة: مسألة الجودة، لا الكثرة، ومن طرق الباب أربعين مرة يوشك أن يفتح له.
وكان صلى الله عليه وسلم يعطي الوقت عبادته المناسبة، فإذا كان في الجبهة، وفي قتال العدو أصبح أشجع فارس، وأبرع من حمل السلاح.
وفي يوم الجمعة يصبح أمهر خطيب، وأبلغ متكلم، وفي الليل تجده: أعظم متهجد ومصلي.. وهكذا.
أما نحن، فتجد الإنسان يخالف وقت العبادة، فالتاجر لا يريدك أن تحدثه عن الإنفاق، أو هو لا ينفق وقت الإنفاق، بينما تجده ينشط لقيام الليل، ويتحدث عن فضله.
وتجد طالب العلم، مثلاً، يحب أن يتحدث عن النوافل، ويترك باب الدعوة وهو يعلم بأن الأمة تحتاج إليه، ولأمثاله، وهكذا